نظام الحكم يختلف من حقبة سياسية الى اخرى في بلاد الرافدين. حيث يعتمد نظام الحكم على الوضع السياسي في العراق. شهد التاريخ الحديث نظام حكم مدني واخر جمهوري وقبله انظمة مختلفة ولكن تركيزنا سيكون على التاريخ القديم. ستكون الصفحة حاوية على معلومات اضافية حول الحقائق التاريخية التي تتحدث عن بلاد الرافدين.
الوضع السياسي ونظام الحكم في بلاد الرافدين
امتاز الوضع السياسي الذي ساد بلاد الرافدين في عصر فجر السلالات بوجود عدد من دويلات المدن المستقلة عن بعضها، واستمر هذا الوضع حتى ظهور الدولة الأكدية التي عملت على توحيد البلاد في دولة واحدة ، وأصبح نظام الدولة المركزية الواحدة هو السائد في العهود السياسية اللاحقة في بلاد الرافدين، لاسيما العهد البابلي والآشوري والاكدي من أجل توحيد أرض الرافدين، على الرغم من فترات التجزئة والغزو الأجنبي التي تخللت التاريخ الحضاري للبلاد .
أما عن نظام الحكم فقد اعتقد العراقيون القدماء إن الملوكية نزلت من السماء، وهذا الاعتقاد اعطى للملوك مرکز مقدس تم توظيفه سیاسيا. وقد مر نظام الحكم فيها بمراحل مختلفة ، ففي عصر فجر السلالات كان الملك أو الأمير يعين عن طريق الانتخاب ، كما كانت شؤون كل مدينة تدار من قبل مجلسين أحدهما فيه كبار السن من سكان المدينة والآخر فيه الرجال القادرين على حمل السلاح، وربما كان يضم بعض النساء، وفي حالات الطوارئ كظروف الحرب والفيضان كان المجلسان يمنحان الرجل المنتخب جميع الصلاحيات ليتمكن من إدارة المدينة ، ويعد هذا النظام نظام سياسي يقوم على أسس ديمقراطية، وقد أطلق على الأمراء لقب (لو كال) أي الملك وتعني بالسومرية (الرجل العظيم). أصبح نظام الحكم فيما بعد نظاما ملكيا وراثيا حتى عهود متأخرة من تاريخ بلاد الرافدين وكانت الملكية تنتقل من الأب إلى الابن الأكبر، كما ينتخب ولي العهد من قبل الملك .
الحياة الاقتصادية في بلاد الرافدين
نظام الحكم في الحياة القديمة في بلاد الرافدين اسس حياة اقتصادية متماسكة. اعتمد الاقتصاد في العراق القديم في مختلف عصوره على ثلاث ركائز هي:
1- الزراعة
اعتمدت الحياة الاقتصادية في بلاد الرافدين على الزراعة والتي ازدهرت لتوافر التربة الخصبة ووفرة المياه والمناخ الملائم لنمو أنواع كثيرة من المزروعات . عرف الإنسان العراقي الزراعة في حدود الألف التاسع قبل الميلاد، إذ انتقل من حياة جمع القوت إلى إنتاج القوت معتمدا على مياه الأمطار، وكانت الزراعة محدودة ومقتصرة على الاكتفاء الذاتي، واستخدم أدوات زراعية مصنوعة من الحجر والخشب والعظام، ثم أصبح ينتج أكثر من حاجته الذاتية وظهرت بوادر التجارة من فائض إنتاجه، وقد زرع الإنسان في العراق القديم الشعير والقمح والسمسم والذرة والعدس والحمص والأشجار المثمرة كالتين والزيتون والكروم والرمان والتفاح واللوز والبلوط، فضلا عن أشجار النخيل ذات الشهرة الواسعة وقال عنها العراقيون القدماء إن لها (360) فائدة إشارة إلى فائدتها اليومية على مدار السنة، وكذلك اهتموا بزراعة القطن (أشجار الصوف) كما سماها الآشوريون منذ الألف الأول قبل الميلاد، كما ذكرت أنواع الخضروات ولاسيما البصل والثوم والخيار وغيرها ، فضلا عن اهتمامهم بالثروة الحيوانية ولاسيما الأغنام والجاموس والخيل، كما سنت قوانين لتنظيم الحياة الزراعية سواء كانت الأرض بورا أو صالحة لزراعة الحبوب او أرض لزراعة الأشجار، وبشكل عام فقد كانت حياة الفلاحين تمتاز بالبساطة . تعد الزراعة من ركائز نظام الحكم في اي حضارة قديمة او حديثة لهذا يجب تسليط الضوء عليها بشكل كبير.
2- التجارة
التجارة في اي نظام حكم سواء في العراق وغيره تعتمد على ما يتم انتاجه بالاضافة الى الموقع الجغرافي. إن لموقع العراق المهم أثرا كبيرا في نشوء التجارة الخارجية وتطورها وكان من نتائج الاهتمام بالتجارة اكتشاف الوسائل الكفيلة لتنشيط التجارة كالعجلة والسفينة واستخدام نظم دقيقة للموازين والمكاييل واستخدام الحبوب والمعادن كوسيلة لتقييم اثمان السلع والأعمال المختلفة بدلا عن النقود التي عرفت في القرن السابع قبل الميلاد، ونظمت المعاملات التجارية التي اقتبست منها الكثير من الأقوام کالاراميين واليهود والاغريق والرومان والفرس ، و كان لديهم نوعان من التجارة هما :
أ- التجارة الخارجية: كان للعراقيين القدماء علاقات تجارية مع بعض البلدان مثل بلاد فارس وآسيا الصغرى وسوريا ومصر وبعض جزر البحر المتوسط والخليج العربي، إذ ذكرت النصوص السومرية بعض المناطق التي كانت لها علاقات تجارية مع بلاد الرافدين ومنها منطقة (مكان) ويقصد بها عمان ودلمون ويقصد بها البحرين، و(ملوخا) ويقصد بها (بلاد السند). وكان للآشوريين في أوائل الألف الأول وأواخر الألف الثاني قبل الميلاد مستوطنات تجارية تقوم بدور الوسيط بين الآشوريين وآسيا الصغرى، وربما منذ العهد الأكدي .
وكان من نتائجها انتشار الحضارة العراقية القديمة في منطقة واسعة من الشرق الأدنى القديم، فضلا عن انتشار الخط المسماري واللغة الأكدية واستعمالهما في الشرق الادنی القديم، ومن المواد المستوردة من الخارج المعادن والأحجار الكريمة وبعض الأحجار الخاصة لصنع التماثيل والأخشاب لصناعة الأثاث والتوابل والعطور والبخور أما صادراته فقد ضمت المنتوجات الزراعية كالمنسوجات والأصواف والجلود والزيوت والأواني الفخارية والمعدنية .
ب- التجارة الداخلية: سيطرت المعابد على التجارة الخارجية والداخلية في العصرين السومري والبابلي، وخصصت القوانين العراقية القديمة فقرات لتنظيم المعاملات التجارية. وبرز التاجر في الأعمال التجارية والذي كان يتمتع بمركز اجتماعي مهم كقيامه بمعاملات البيع والشراء ومهام الصراف ومعاملات العقار، وكانت البضائع تنقل بوسائط مختلفة مثل الحمير والثيران والعربات التي تجرها الحيوانات والوسائل النهرية كالقوارب والسفن الشراعية .
3- الصناعة
أن توافر المواد الأولية للصناعة ساعد على قيام صناعات متنوعة في بلاد الرافدين ، وكان الحجر المادة الأساس لها ، إذ كان ملوك العراق يحصلون عليها من الجهات الشمالية والشمالية الشرقية من البلاد ، فصنعوا المناشط والسكاكين والفؤوس وغيرها ، ثم استخدموا الطين لصناعة الأواني الفخارية ، بعدها تعلموا صناعة الغزل والحياكة، كما برعوا بصناعة التماثيل والمسلات والأختام الأسطوانية، ولتطور الصناعات ظهرت تخصصات عديدة فيها مثل النحات والصائغ وصانع الجلود والخياط الذي كان تابعة للمعبد وفي العهد البابلي القديم أصبحت الحرف مستقلة عن المعابد .
الحياة الاجتماعية في بلاد الرافدين
نظام الحكم في العراق القديم او بلاد الرافدين هو الذي يحدد الحياة الاجتماعية. كانت القاعدة العامة في اختيار موقع المدن في حضارة بلاد الرافدين هي ان يكون موقع المدينة بالقرب من مجاري الأنهار الرئيسة، وتتألف المدينة بصورة عامة من ثلاثة أقسام هي مركز المدينة والضواحي والقسم الذي يقع خارج اسوار المدينة ويضم مركز المدينة والمعبد الرئيس والقصر وبيوت السكان الحضر، أما الضواحي فتضم المعبد المخصص للاعياد ورأس السنة ومساكن المزارعين وحقولهم والبساتين وحظائر الماشية، أما القسم الذي يقع خارج أسوار المدينة فيضم الميناء والتجارة ومستودع البضائع . ويمثل المعبد المركز الاجتماعي لحياة المدينة من النواحي الدينية والاقتصادية والسياسية يضاهيه ويزاحمه في النفوذ تدريجيا قصر الحاكم من حيث السلطة والمساحة والتنظيم.
إن الحياة الاجتماعية الحضارة بلاد الرافدين بقیت تستمد جذورها وديمومتها من العقيدة الدينية التي شكلت وعاء هذه الحضارة . فاستمرت الحياة الدنيوية متغير تابعة للحياة الدينية على مدى تاريخ حضارة بلاد الرافدين. ويرتبط بذلك أن الحاكم بقي على رأس السلطة الزمنية والدينية بدءا بالملك السومري فالبابلي ثم الملك الآشوري، لكونه ممثلا عن الإله وينوب عنه أمام الشعب .
مع التطور الحاصل في الحياة الاقتصادية ازداد عدد السكان وكان من نتائج ذلك التطور استقرار الحياة اليومية والعادات والتقاليد التي أصبحت أعراف ، و فيما بعد قوانین مدونة صادرة عن السلطة الحاكمة حددت بها علاقات الأفراد بعضهم بالبعض الآخر وثبتت واجباتهم والتزاماتهم، وكان للأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والتبني والإرث وحقوق الوالدين وغيرها من العلاقات الاجتماعية نصيبا كبيرا من تلك القوانين، إلا إن ما جاء مبادئ واحکام و قواعد في قوانين العصر البابلي القديم، وفي مقدمتها قانون الملك حمورابي، يمكن أن تؤخذ على إنها تمثل الصورة العامة لما كان عليه المجتمع العراقي في عصوره القديمة المختلفة التكوين أو السلم الاجتماعي.
يتألف المجتمع العراقي الذي يوضح نظام الحكم القديم كغيره من المجتمعات من فئات وشرائح عدة منها الحاكمة المتنفذة سياسية او اقتصادية أو دينية ومنها المحكومة والتي ضمت عامة الناس ويمكن توضيحها على النحو الآتي :
- الأسرة الحاكمة التي اكتسبت قدسية واحتراما نظرا للمركز الذي يتمتع به الملك وأسرته عند عامة الناس لكونه ممثل الآلهة على الأرض .
- فئة النبلاء وأصحاب الإقطاعات والملاك و كبار الكهنة والموظفين وقادة الجيش وكان لهم حقوق و امتیازات سواء في القوانين أو الأعراف السائدة .
- عامة الناس وضمت العاملين في الحقول والمزارع والمداجن والمحلات التجارية الصغيرة وغيرهم من الشرائح الفقيرة والمعتمدة على قوتها اليومي .
- الرقيق أو العبيد : لم تكن تؤلف نسبة كبيرة ذات تأثير على المجتمع، وكانوا يعاملون معاملة خاصة أمام القانون ويميزون عن بقية أفراد المجتمع أما بقص شعرهم أو وضع علامات العبودية على أجسادهم وأكثر الرقيق هم من أسرى الحروب .
وتمثل الطبقات الثلاث الأنفة الذكر طبقة الأحرار ويعاملون معاملة واحدة أمام القانون ويتمتعون بالحقوق والواجبات اما الطبقة الرابعة فهي مختلفة من حيث التعامل.