أهمية التجارة الخارجية الدولية وأسباب قيامها
أولا: أهمية التجارة الخارجية الدولية، عرف الإنسان التجارة منذ زمن بعيد، وبمرور الوقت أصبحت من أهم الأنشطة الاقتصادية في سائر المجتمعات، ويعتمد عليها في رفع المستوى الاقتصادي وتوفير فرص العمل، من خلال تصدير الفائض من السلع والخدمات المنتجة محليا، وفي الغالب يتم ذلك التبادل بين دولتين كل واحدة منها تمثالا من السلع والخدمات، ما تفتقر إليه الأخرى، مما يجعلها تلجأ لاستيرادها من دول الفائض.
ومما ساعد على انتشار مفهوم التجارة الدولية هو الثورة الصناعية والتطور الكبير الذي حدث في وسائل النقل والمواصلات، وفي ظل عصر العولمة وثورة الاتصالات، أخذت التجارة الدولية بعدة أكبر للمجتمعات كافة التي انتظمت في منظمة التجارة العالمية (WTO) التي باتت مسؤولة عن تنظيم العمل التجاري العالمي. وتتبلور أهميتها في الآتي:
- ربط الدول والمجتمعات بعضها ببعض، لزيادة تصريف فائض الإنتاج عن حاجة السوق المحلية.
- المساهمة في تعديل الموازين التجارية للدول بالاعتماد على رفع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.
- تحقيق المكاسب على أساس الحصول على سلع تكلفتها أقل مما لو أنتجت محليا.
- التخصص والتقسيم الدولي للعمل.
- نقل التكنولوجيات والمعارف وفنون الإنتاج التي تشارك في تعزيز عملية التنمية الشاملة.
- إقامة العلاقات الودية وعلاقات الصداقة مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة.
ثانيا: الفرق بين التجارة الداخلية والخارجية: هناك فروق أساسية بين التجارة الداخلية والخارجية وهي:
- التجارة الداخلية تتم داخل حدود الدولة الجغرافية أو السياسية، في حين تكون مساحة التجارة الخارجية على مستوى العالم.
- التجارة الخارجية تتم مع نظم اقتصادية وسياسية مختلفة، في حين أن التجارة الداخلية تقوم في ظل نظام اقتصادي وسياسي واحد.
- تتم التجارة الداخلية بالعملة المحلية الواحدة، في حين تتعامل التجارة الخارجية بعملات دولية.
- اختلاف ظروف السوق والعوامل المؤثرة فيه في حالة التجارة الخارجية عنها في حالة التجارة الداخلية.
- سهولة انتقال عوامل الإنتاج داخل الدولة الواحدة، في حين يصعب ذلك على المستوى الخارجي.
- اختلاف الأذواق ومتطلبات السوق المحلية عما هو مطلوب في الأسواق الخارجية.
ثالثا: أسباب قيام التجارة الخارجية: يرجع تفسير أسباب قيام التجارة الخارجية بين الدول إلى جذور المشكلة الاقتصادية، أو ما يسميه الاقتصاديون بمشكلة الندرة النسبية ومدى توافر الموارد الاقتصادية والطبيعية في الدولة، وتتمثل أهم هذه الأسباب في:
- ليس لكل الدول الإمكانيات نفسها التي تكفي لإنتاج كل السلع والخدمات التي يحتاج إليها أفرادها، مما يتطلب استيرادها من دول أخرى.
- اختلاف تكاليف إنتاج السلع بين الدول المختلفة، نظرا لاختلاف درجة توافر عناصر الإنتاج فيما بينها.
- اختلاف مستوى التكنولوجيا من دولة لأخرى.
- عدم إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي لأي دولة نتيجة وجود نقص في إنتاج بعض السلع وفائض في الأخرى.
- الحصول على أرباح من التجارة الخارجية وهو ما يعزز النمو الاقتصادي، ويزيد في الدخل القومي ويجعل الميزان التجاري متوافقا.
نظريات التجارة الخارجية
حاول كثير من الباحثين والمفكرين الاقتصاديين وضع النظريات التي تفسر أسباب قيام التجارة الخارجية، وبيان منافع قيامها على جميع الدول التي تشترك فيها، لا سيما وأن الرأسمالية تظل دائما تبحث عن الأسواق لتصريف بضائعها، ونشأت هذه النظريات ردة فعل على أفكار الرأسمالية التجارية، التي كانت تشجع الصادرات وتضع القيود على الواردات، من أجل الحصول على أكبر كمية من المعادن النفيسة (الذهب والفضة)، التي كانت تعد أحد مؤشرات قوة الدولة آنذاك، وسعت مختلف النظريات سواء الكلاسيكية منها أم الحديثة، إلى توضیح السبب الأساسي لقيام التجارة الدولية، وهذه النظريات هي:
أولا : نظرية التكاليف المطلقة لآدم سميث Absolute Advantage Theory، يعد آدم سميث أول اقتصادي كلاسيكي حاول تفسير أسباب قيام التجارة الخارجية بين الدول، في كتابه (ثروة الأمم الذي صدر عام ۱۷۷۹، مستعملا مفهوم الفرق المطلق في تكاليف الإنتاج بين الدول، أو ما أصبح يعرف بالميزة المطلقة، وقد افترض أن كل دولة يمكن أن تنتج سلعة واحدة في الأقل، أو مجموعة من السلع بكلفة حقيقية أقل مما تستطيع بقية الدول، ومن ثم فإن كل دولة ستكسب أكثر، فيما إذا تخصصت في تلك السلعة التي تتمتع فيها بميزة مطلقة)، ومن ثم تقوم بتصدير الفائض منها وتستورد السلع الأخرى، معتبرا أن كلفة السلعة تقاس بمقدار وقت العمل اللازم لإنتاجها.
ولإيضاح نظرية التكاليف المطلقة، نفترض أن دولتين مثل انجلترا والبرتغال ينتجان سلعتين هما القماش والقمح، وأن ثمن هاتين السلعتين قبل قيام التجارة الخارجية بينهما كان على النحو الموضح في الجدول أدناه:
يبدو من هذا المثال أن ثمن القماش في إنجلترا أقل منه في البرتغال، الأمر الذي يجعل من مصلحة البرتغال استيراده من إنجلترا بدلا من إنتاجه، فيما تنتج البرتغال القمح بتكاليف أقل من منتجيه في إنجلترا، مما يعني أن مصلحة انكلترا استيراد القمح من البرتغال بدلا من انتاجه محليا، والشيء المهم هو أن تتخلى انجلترا عن إنتاج القمح وتتخصص بالقماش، وبالمقابل تتخلى البرتغال عن إنتاج القماش وتتخصص بإنتاج القمح، ومن خلال التخصص بإنتاج السلعة التي يتميز فيها سيستفيد الجميع.
السؤال الذي أثير هو: ما موقف الدولة التي ليس لديها ميزة مطلقة في إنتاج سلعة ما؟ ألا تشترك بالعلاقات الاقتصادية مع دول أخرى؟ لهذا فشلت نظرية الميزة المطلقة لأدم سميث في توضيح ذلك؟ لتفتح الباب لنظرية الميزة النسبية لريكاردو.
ثانيا: نظرية التكاليف النسبية لريكاردو Comparative Advantage Theory
في كتابه المشهور (الاقتصاد السياسي والضرائب) نجح الاقتصادي الإنجليزي ديفيد ريكاردو ينسف نظرية الميزة المطلقة لآدم سميث، وقدم نظرية التكاليف النسبية لتفسير قيام التجارة الدولية، ولفهم هذه النظرية بشكل بسيط نفترض أن يؤجر مدرس بستانية لرعاية حديقته المنزلية، مع أن هذا المدرس أفضل من البستاني بأمور الفلاحة، إلا أنه لا يمتلك الوقت الكافي للقيام بذلك، فالسؤال: لماذا استعمل المدرس ذلك البستاني؟ السبب هو أن يكون عمل المدرس ذا قيمة عندما يحصل على دخله
من خلال مهنة التدريس، يستعمل شخصا آخر في حديقته، وهذا هو جوهر نظرية الميزة النسبية.
يمكننا الآن توضیح نظرية «ریکاردو» عن طريق المثال الآتي بافتراض وجود دولتين فقط هما إنجلترا والبرتغال، كل منهما يقوم بإنتاج سلعتين فقط هما المنسوجات والأخشاب:
يتضح منه أن البرتغال لديها ميزة مطلقة في إنتاج السلعتين؛ إذ يمكنها إنتاج السلعتين بتكلفة مطلقة أقل، نظرا لأن تكلفة الوحدة المنتجة من السلعتين (مقدرة بساعات العمل) في البرتغال أقل، وإنجلترا أسوأ في إنتاج السلعتين، ولكي تقوم التجارة بينهما على وفق الميزة النسبية: وباقتراض وجود دولتين هما (ا، ب) وسلعتين هما (س، ص، فإنه يمكننا حساب التكلفة النسبية وفقا للصيغة الآتية:
التكلفة النسبية لإنتاج السلعة س في الدولة أ= (تكلفة إنتاج السلعة س في الدولة أ)/(تكلفة إنتاج السلعة ص في الدولة ب)
وبحساب الميزة النسبية لإنتاج المنسوجات مقارنة بالأخشاب في انجلترا نلحظ
التكلفة النسبية لإنتاج المنسوجات في إنجلترا = (تكلفة إنتاج وحدة المنسوجات في إنجلترا)/(تكلفة إنتاج وحدة الأخشاب في إنجلترا) = 100/120 = 0.83
ويلاحظ أن تكلفة الوحدة المنتجة من المنسوجات في إنجلترا تعادل (83%) من تكلفة الوحدة وبحساب الميزة النسبية لإنتاج المنسوجات مقارنة بالأخشاب في البرتغال نلحظ:
التكلفة النسبية لإنتاج المنسوجات في البرتغال =(تكلفة إنتاج وحدة المنسوجات في البرتغال)/(تكلفة إنتاج وحدة الاخشاب في البرتغال) = 90/80 = 1.12%
يظهر أن التكلفة النسبية لإنتاج المنسوجات كانت في إنجلترا (0.83) من تكلفة انتاج الوحدة المنتجة من الاخشاب، بينما تكلفة الوحدة المنتجة من المنسوجات في البرتغال تعادل (٪ 1.12) من تكلفة الوحدة من الأخشاب، وهذا يعني أن المنسوجات أرخص نسبيا في إنجلترا، أي إنها تنتجها بتكلفة أقل نسبية من البرتغال، ولذا فإن إنجلترا تتمتع بميزة نسبية في إنتاج المنسوجات، إذ تنتجها بتكلفة أقل نسبيا. ولحساب الميزة النسبية للأخشاب في انجلترا يتضح:
التكلفة النسبية لإنتاج الأخشاب في إنجلترا =(تكلفة إنتاج وحدة الأخشاب في إنجلترا)/(تكلفة إنتاج وحدة المنسوجات في إنجلترا) = 120/100 = 1.2
فيما يمكن حساب التكلفة النسبية لإنتاج الأخشاب في البرتغال على وفق الآتي:
التكلفة النسبية لإنتاج الأخشاب في البرتغال =تكلفة إنتاج وحدة الأخشاب في البرتغال)/(تكلفة إنتاج وحدة المنسوجات في البرتغال) =80/90 = 0.89
نلحظ من المعادلات في أعلاه أن تكلفة الوحدة المنتجة من الأخشاب في إنجلترا تعادل (120٪) من تكلفة الوحدة المنتجة من المنسوجات، بينما تكلفة الوحدة المنتجة من الأخشاب في البرتغال تعادل (89٪) من مثيلتها من المنسوجات، وهذا يعني أن الاخشاب تنتج في البرتغال بتكلفة أقل مما يجعل أسعارها أرخص نسبيا في البرتغال، وهو ما يجعلها تتمتع بميزة نسبية في إنتاج الأخشاب.
وهكذا نجد وجود اختلاف في المزايا النسبية بين الدولتين مما يشجع على قيام التجارة بينهما، ويتم تبادل وحدة الخشب بوحدة المنسوجات، وهو ما يحقق مكاسب لكلا البلدين.
ثالثا: نظرية القيم الدولية لجون ستيوارت ميل Terms of Trade Theory: حاول جون ستيوارت ميل تطوير نظرية ديفيد ريكاردو الميزة النسبية، مبينا أن سبب قيام التجارة الدولية هو اختلاف معدلات التبادل الداخلية، وهو ما ينعكس على معدلات
التبادل الدولي، بافتراض أن كميات انتاج العنب والذرة في كل من بلجيكا وبريطانيا كانت كما في الجدول الآتي:
وهنا معدل التبادل الداخلي للعنب في بلجيكا (1: 1.5)، بينما معدل التبادل الداخلي للعنب في بريطانيا (۲:۱)، أي إن إنتاج وحدة واحدة من العنب في بلجيكا، سيكلف (1.5) وحدة من الذرة، وأن إنتاج وحدة واحدة من العنب في بريطانيا سيكلف (2) وحدة من الذرة، وبذلك فإن العنب في بلجيكا أرخص منه في بريطانيا، لذا فإن على بلجيكا أن تتخصص في تصدير العنب، بينما تتخصص بريطانيا بتصدير الذرة.
رابعا: النظرية النيوكلاسيكية للتجارة الدولية (نظرية هكشر- أولين) Heckscher Ohlin Theory: قامت النظرية النيوكلاسيكية على أساس أن نظريات التجارة الكلاسيكية وضحت قيام التجارة الدولية، ولكنها لم تفسر لماذا تختلف التكاليف النسبية لإنتاج السلع بين مختلف البلدان، قدم كل من الاقتصاديين (هکشر) و(أولين) من السويد تفسيرا لهذا الاختلاف، لذا سميت بالنظرية السويدية أو نظرية هكشر- أولين Heckscher Ohlins Theory، وترجع هذه النظرية سبب اختلاف النفقات النسبية إلى اختلاف الوفرة أو الندرة النسبية لعناصر الإنتاج، نظرا لأن عناصر الإنتاج لا تتوافر بالدرجة نفسها في جميع الدول، ويترتب على تفاوت درجة توافر عناصر الإنتاج بين الدول، اختلاف أسعارها من دولة إلى أخرى وهو ما يوجد الاختلاف في التكاليف النسبية لها، وتقاس درجة الوفرة أو الندرة النسبية لعنصر إنتاجي ما بالمعادلة الآتية :
الوفرة أو الندرة النسبية لعنصر الإنتاج=(عرض هذا العنصر)/(عرض عناصر الإنتاج)
وبهذا فإن كل بلد يتمتع بميزة نسبية عندما ينتج ويصدر السلعة التي تحتاج إلى عامل الإنتاج الأكثر وفرة نسبية فيها وبالمقابل لن يقدم على إنتاج السلعة التي لا يتمتع بوفرة عناصر إنتاجها، فيقوم باستيرادها من الدول الأخرى التي فيها وفرة. وهو ما يؤدي إلى قيام التجارة الدولية للحصول على السلعة من الخارج بتكلفة أقل مما لو تم إنتاجها محليا.
اقرأ أيضا :